من هو الشيخ محمد محمد أبو علو



''هو واحد من بين عدد قليل من العلماء ومفسري القرآن الكريم الذين شقوا بأظفارهم طريقهم نحو العلم النافع وتمكنوا برغم صعوبة ظروفهم من ترك بصمة واضحة على الكثير من مريدي هذا العلم والمنتفعين به.


ولد الشيخ محمد محمد أبوعلو في عام 1914 ، في قرية "الصفاصيف" التابعة لمدينة دمنهور عاصمة محافظة البحيرة بشمال غربي مصر، نزح أبوه إلى دمنهور وهو بعد صغير، وعمل عطارا في "سوق البندر" وهو السوق المحاذي لشارعي عرابي والخيري ومسجد التوبة بدمنهور.


وساعد محمد الابن أباه في عمله منذ الطفولة حتى شب وما يزال الذراع اليمنى لأبيه في دكان العطارة، وكان لوالد محمد زوجة أخرى ولذلك كان له أشقاء من أمه وأبيه وإخوة غير أشقاء من أبيه وزوجة أبيه، و كان محمد الإبن الأكبر لأبيه الذي حين كبر وجد محمد نفسه مسئولا عن جميع أشقائه وإخوته غير الأشقاء.


التحق محمد الطفل بمدرسة إبتدائية في دمنهور لكنه لم يكمل تعليمه كما كان يحلم حيث أخرجهأبوه من المدرسة ليساعده في عمله.


لكن محمد الصغير لم ييأس وصمم على إكمال مشوار العلم حتى ولو كان ذلك من خارج الدراسة النظامية، وتعلم في مدرسة مسائية لبعض الوقت، ثم كان يحرص على قراءة أي كتاب بل وأي ورقة تقع في يده في دكان العطارة.


وحفظ القرآن الكريم وهو صغير، كما تحبب إلى قراءة الكتب الأدبية واقتناء المجلات التي كانت تصدر في العقود الأولى من القرن الماضي مثل مجلة الرسالة " لصاحبها أحمد حسن الزيات إضافة إلى مجلة الرواية وغيرها ومارس لبعض الوقت كتابة الشعر واستمتع بما يكتبه الشعراء.


وإلى جانب د. طه حسين والمازني والفيلسوف د.زكي نجيب محمود وغيرهم ممن كان يقرأ لهم، فقد كان من أهم الشخصيات الأدبية التي أثرت في حياة الشاب محمد أبو علو وفكره  الأديب الشهير عباس محمود العقاد نظرا لأن العقاد لم يكمل أيضا تعليمه ومع ذلك فقد كان بعيد الأثر على الحياة الأدبية والفكرية في مصر والعالم العربي كله.











و في الأربعينيات من القرن الماضي تعرف الشاب محمد أبو علو على شيخ قادم من الحجاز " الاسم القديم للسعودية" هو الشيخ عبد العزيز بن راشد النجدي وكان من المنتمين للمذهب الوهابي الشهير بين أهل الحجاز، وكان يتردد عليه في دكان العطارة حيث تأثر به محمد أبو علو واقتنع بفكره الذي كان يدعو إلى الدعوة إلى الله تعالى وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بالتماس طريق الاعتدال دون شطط والوسطية دون مغالاة ولا غلو في الدين الحنيف، ودعاه الشيخ عبد العزيز إلى المشاركة في تأسيس جماعة أنصار السنة المحمدية في دمنهورـ والتي مقر رئاستها بالقاهرة ـ فأيده الشاب محمد في رأيه وتحمس له.


وبدأ محمد في الاتجاه نحو التثقيف الذاتي الديني وقرأ ودرس العديد من التفاسير القرآنية مثل تفسير ابن كثير والقرطبي والطبري إضافة إلى تفسيرات المحدثين من العلماء مثل تفسير "في ظلال القرآن الكريم" للراحل سيد قطب كما اقتنى كتب البخاري ومسلم والتي تعتبر أصح كتب الحديث النبوي على الإطلاق، كما بدأ ينهل من كتب الفقه والعبادات والسيرة وغيرها من أقسام علوم الدين.


وفي أوائل الستينيات أسس محمد أبو علو مسجدا في حي القلعة بدمنهور كان نواة لأنصار السنة المحمدية في المدينة، وعندها ترك العمل بالعطارة وانتقل إلى العمل في مجال إنتاج الزيوت وأنشأ معصرة للزيوت في شارع المدابغ الذي لا يبتعد كثيرا عن المسجد الذي أسسه ولا عن بيته الذي كان مواجها للمسجد الذي كان خطيبا له.


وعبر السنوات تميزت خطب الشيخ محمد أبو علو ببساطتها رغم فصاحته التي أخذها من حبه للأدب والشعر في بداية حياته، وكانت له آراؤه الخاصة فيما يكتبه العلماء وكان يتفق معهم أحيانا ويختلف في أحيان أخرى كما كانت له إضافاته الخاصة من طول قربه مع كتاب الله تعالى وتفاسير المفسرين وقراءته لما يستجد في حياة المسلمين ومتابعته لأحداث البلاد الإسلامية فكانت له آراء ولمحات مجددة ربما انفرد بها عن غيره من كثير من العلماء و لاسيما التقليديين منهم.


وقد سجل الشيخ في شبابه بعض الكتب بشأن عددا من سور من القرآن الكريم مدونا فيها آراء ذهب إليها تأثرا بما قرأه وتعلمه في ذلك الوقت، ومن هذه الكتب " تفسير القرآن الكريم". 


وفي أواخر السبعينيات قرر الشيخ محمد أبو علو أن يضع كتابا في أجزاء حول قرآن الله تعالى، لم يسمه تفسيرا وإنما سماه " تأملات في قرآن الله وأوضاع الناس"، حيث اعتبر أن هناك حاجة إلى أفكار مبسطة وميسرة للقراء المسلمين لمعرفة معاني القرآن الكريم وتقريبها لهم.


وضع الشيخ محمد أبو علو الكتاب في عشرين جزءا حيث قسم تأملاته القرآنية حول كتاب الله تعالى كله في هذه الأجزاء العشرين بتقسيمة خاصة وضعها هو وفقا لوجهة نظره، و كتب بخط يده ـ الذي تميز بجماله ـ هذه الأجزاء العشرين مرتبا ومنظما، وطبع على نفقته الشخصية الجزء الأول والثاني والأخير الذي كان به جزء عم رغبة منه في تيسير هذا الجزء للنشء والشباب ممن يتلمسون طريقهم إلى كتاب الله وتعريفا لهم بمعانيه وبعض حكمه ومقاصده تعالى فيه، لكن الشيخ لقي ربه تعالى قبل أن يكمل طباعة باقي الأجزاء حيث قام نجله الأكبر المهندس نبيل محمد أبو علو ـ رحمه الله ـ بطباعة سائر الأجزاء العشرين.


وكان للشيخ محمد أبو علو مريدون كثر يفدون إلى مسجد أنصار السنة بحي القلعة بدمنهور من أماكن عديدة، وكان له أصدقاء وتلامذة من علماء وأساتذة الأزهر الشريف منهم الدكتور محمد جمعة الذي تخرج في الأزهر و قام بالتدريس في جامعة أم القرى بالسعودية وغيره، كما كان هناك أصدقاء ومحبون ومريدون لعلم الشيخ في خارج مصر من المغتربين المصريين في بلدان مثل فرنسا وغيرها.


وكان بعض تلامذته يحرصون على تسجيل خطبه الأسبوعية يوم الجمعة على شرائط كاسيت ويقتنونها، حيث لم تكن هناك فضائيات ولا إنترنت ولا فيسبوك في ذلك الحين وكان محبو علمه وأسلوبه إما أن يقرأوا له كتابا أو يستمعوا إلى شريط صوتي له.


توفي الشيخ محمد أبو علو في يناير عام 1990، عن 76 عاما حيث أفنى حياته حبا في كتاب الله و لم يضن بما أعطاه الله من علم على المسلمين الذين كانوا يلجأون إليه في كثير من أمور حياتهم اليومية، وكان حريصا على منهج الوسطية والاعتدال والاجتهاد المبني على العلم الشرعي وصولا إلى استخدام صحيح للدين. 


وإلى جانب كتابه الرئيسي " التأملات" وضع الشيخ العديد من الرسائل وألقى الكثير من المحاضرات في أماكن مختلفة دعي إليها خارج المسجد، لتقديم آرائه التي كانت تحظى بالإعجاب وتلفت إليها الانتباه، ومن بين رسائله ما كتبه حول " الجمعة ركعتان" مستندا إلى بعض ما يؤكد أن صلاة الجمعة تظل ركعتين لمن لم يصلها في وقتها، كما وضع كتابا خاصا بسورة النور، نظرا لتضمنها أحكاما فقهية وآدابا شرعية جعلت السيدة عائشة رضي الله عنها تنصح بأن تحفظها النساء والفتيات على وجه الخصوص.


أما كلمة "الدمنهوري" التي أضافها إلى اسمه في كتاب التأملات فلها حكاية، ذلك أنه حين بعث بمقالة إلى مجلة التوحيد في إحدى سنوات شبابه، وأشار فيها إلى أنه من دمنهور، اختلف معه أحد المشايخ بالقاهرة، و رد عليه بمقالة أخرى عنونها " لا .. يا دمنهوري" فبدا من ذلك وكأنه يقلل من كونه دمنهوريا، مما دفع الشيخ إلى إبراز هذا النسب المكاني بينه وبين مدينته على غلاف كتابه الأثير " التأملات" واضعا شرطة بين اسمه الحقيقي وبين كلمة الدمنهوري هكذا " محمد محمد أبوعلو ـ الدمنهوري".

رحم الله الشيخ, وجعل ما قدمه من علم نافع في ميزان حسناته وجمعنا الله به في جنة الفردوس الأعلى إن شاء الله تعالى آمين.